أهم الدروس المستفادة من الهجرة النبوية التخطيط المحكم المتمثل في اختيار الوقت والمكان والطريق والرفيق المناسب، وتوظيف الطاقات والإمكانيات، والتوكل على الله واليقين به، والتضحية
دليل الموضوع:
المقدمة
أهم
الدروس المستفادة من الهجرة النبوية
المصدر
المقدمة
ما لا شك فيه أن الهجرة النبوية كانت حدثًا عظيمًا
هز أرجاء شبه الجزيرة العربية، وأحدث نقلة نوعية في مسيرة الإسلام، وخلد في صفحات
التاريخ كمنارةٍ تضيء دروبنا وتنير عقولنا.
فكانت رحلةً مقدسة، هجرةً من الظلم إلى العدل، ومن
الضلال إلى الهدى، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله الواحد الأحد.
ولقد كانت هذه الهجرة المباركة إيذانًا بقيام
الدولة الإسلامية، التي حملت راية الإسلام ونشرت نوره في أرجاء المعمورة، ودعت
البشرية إلى عبادة الله وحده.
وإن المتأمل في أحداث هذه الهجرة العظيمة يجد فيها
العديد من الدروس والعبر التي ينبغي لنا استلهامها والتوقف عندها والأخذ من
معينها، وسنسلط الضوء على بعضٍ من هذه الدروس في هذا المقال.
أهم الدروس
المستفادة من الهجرة النبوية
الهجرة النبوية هي رمز للصبر والتجلد والإيمان
الراسخ، ففي رحلةٍ مقدسةٍ هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - مع صاحبه أبي بكر
الصديق - رضي الله عنه - من ظلم قريش واضطهادها، إلى مدينة آمنة تصبح فيما بعد
عاصمة للدولة الإسلامية.
ولقد تركت هذه الهجرة المباركة أثرًا عميقًا في
حياة المسلمين، وخلدت دروسًا وعبرًا خالدة يمكن استلهامها في كل زمان ومكان، ومن
أهم هذه الدروس:
التخطيط المحكم المدروس
تجسد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا رائعًا
للتخطيط المحكم والمدروس، حيث اتسمت بخطوات مدروسة وتنفيذ دقيق ضمن ظروف صعبة
ومعقدة، وتضمنت هذه الخطة العناصر التالية:
1. اختيار الوقت المناسب:
هاجر النبي صلى الله عليه وسلم في وقت شديد الحر،
عندما يقل تواجد الناس في الشوارع، مما ساعد على إخفاء تحركاته، كما اختار ليلة
مظلمة للخروج من مكة، مستفيدًا من سوء الرؤية لتعزيز السرية.
2. اختيار الرفيق المناسب:
وقع اختيار النبي صلى الله عليه وسلم على أبو بكر
الصديق رضي الله عنه ليكون رفيقه في الهجرة، وذلك لما يتمتع به من صفات الإخلاص
والشجاعة والذكاء.
وكان أبو بكر رضي الله عنه على علم بمخططات قريش
لملاحقة النبي صلى الله عليه وسلم، مما جعله قادرًا على تقديم المساعدة والدعم في
أصعب الظروف.
3. اختيار المكان والطريق المناسبين:
سلك النبي صلى الله عليه وسلم طريقًا غير مألوف
بعيدًا عن أعين قريش، متجهًا جنوبًا نحو اليمن بدلًا من الشمال حيث المدينة
المنورة.
واختار النبي صلى الله عليه وسلم غار ثور للاختباء
فيه، وهو مكان وعِر يصعب الوصول إليه، مما وفر له الحماية من مطاردة قريش.
4. توظيف الإمكانيات المتاحة:
استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من مهارات دليل
خبير يُدعى عبد الله بن أريقط، لمعرفة تضاريس الطريق والوصول إلى غار ثور بأمان.
كما جهز أبو بكر الصديق رضي الله عنه زادًا ومالًا
لرحلة الهجرة، ودبر خطة لتضليل قريش عن وجهة النبي صلى الله عليه وسلم.
5. حرص شديد على السرية:
أخفى النبي صلى الله عليه وسلم وجهته الحقيقية عن
أبي بكر رضي الله عنه في البداية، مما زاد من صعوبة تعقبه من قبل قريش.
واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا احتياطات
أمنية صارمة، مثل تغيير ملابسه وتلثمه، لمنع التعرف عليه.
6. التوكل على الله:
كان إيمان النبي صلى الله عليه وسلم بالله قويًا،
ولم يمنعه الخوف من قريش من المضي قدمًا في خطته، فتوكل وترك الأمور في يديه،
مدركًا أن الله سينصره ويرعاه.
توظيف القدرات والطاقات
يظهر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مهارة
فائقة في توظيف قدرات كل صحابي بما يتناسب مع مواهبه وخصائصه، فنجده يسند لكل
مهمةٍ الشخص الأكثر كفاءةً لها، ومثال على ذلك:
1.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اختاره النبي صلى
الله عليه وسلم لينام في فراشه ليخدع قريشًا، ثم يسلم الودائع إليهم، ويلحق بالنبي
لاحقًا.
2.
عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما: كان بمثابة
جاسوس مخلص، حيث كان يتواجد بين قريش في مكة ليكتشف خططهم ويخبر النبي بها.
3.
عامر بن فهيرة رضي الله عنه: راعي غنم يسير في نفس
مسار عبدالله بن أبي بكر ليخفي أثره عن المشركين، كما كان يزود النبي وصاحبه
بالحليب.
4.
أسماء ذات النطاقين رضي الله عنها: حملت الطعام
والتموين من مكة إلى الغار.
5.
عبدالله بن أريقط: كان
دليل الهجرة وخبيرًا بدروب الصحراء، حيث انتظر إشارة البدء من النبي ليقود الركب
من الغار إلى المدينة المنورة.
اليقين بالله
تجسد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا رائعًا
على التوكل على الله تعالى، إذ أنه جمع بين الأخذ بالأسباب وبين الثقة التامة
بربه.
ففي رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة، حرص
النبي صلى الله عليه وسلم على التخطيط المحكم واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة،
لكنه لم يعتمد على هذه الأسباب وحدها، بل كان قلبه متعلقًا بالله تعالى متوكلاً
عليه.
وفيما يلي، أمثلة من سيرة النبي صلى الله عليه
وسلم تدل على توكله:
-
في غار ثور: عندما حاصر المشركون
غار ثور، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "يا رسول الله، لو أن أحدًا
نظر تحت قدميه لأبصرنا"، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: "ما
ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما".
-
في
مواجهة سراقَة بن مالك: عندما أدركهما سراقَة بن مالك في طريقهما إلى
المدينة، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "هذا الطلب قد لحقنا يا رسول
الله". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن، إن الله
معنا"، وعندما اقترب سراقَة منهما، دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليه،
فسقط فرسه على الأرض، فاستسلم سراقَة وأعلن إسلامه.
ومن الدروس المستفادة من توكل النبي صلى الله عليه
وسلم:
-
الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل:
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التخطيط المحكم واتخاذ جميع الاحتياطات
اللازمة، لكنه لم يعتمد على هذه الأسباب وحدها، بل كان قلبه متعلقًا بالله
تعالى متوكلاً عليه.
-
التوكل يقوي الإيمان ويثبت القلب: ساعد توكل النبي صلى
الله عليه وسلم على تقوية إيمانه وتثبيت قلبه في أصعب المواقف.
-
التوكل
يجلب الفرج والنجاة: من خلال توكله على الله تعالى، نجى النبي صلى الله عليه
وسلم من العديد من المخاطر والتهديدات.
من دروس الهجرة التضحية
تمثل الهجرة النبوية أروع صور التضحية في سبيل
الله تعالى، حيث ضحى المهاجرون بأعز ما يملكون من أجل نصرة الدين والتمسك
بالمبادئ.
اضطر النبي صلى الله عليه وسلم لمغادرة مسقط رأسه
مكة المكرمة، تاركًا وراءه أحباءه وأهله بدافع من إيمانه العميق ورسالته السامية،
وودّع مكة بقوله الحزين: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله،
ولو لا أني أُخرجت منك ما خرجت".
وضحى على بن أبي طالب رضي الله عنه بنفسه فداءً
للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث نام في فراشه ليخدع قريش الذين كانوا يتربصون للنبي
لقتله.
كما واجهت أم سلمة رضي الله عنها صعوبات جمة في
سبيل الهجرة، حيث فرِقت عن زوجها وابنها، وتحملت آلام الفراق والاشتياق عامًا
كاملًا.
أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه ضحى بماله كله في
سبيل الهجرة، تاركًا وراءه عائلته دون أي مؤونة، بينما تنازل صهيب الرومي رضي الله
عنه عن ثروته بالكامل لقاء حريته للهجرة، إيمانًا منه بأهمية الدين وحقوقه.
ولم تقتصر التضحيات على نماذج محددة، بل شملت جميع
المهاجرين الذين تركوا بيوتهم وأموالهم وأحباءهم، إيمانًا منهم بدعوة الحق ورسالة
الإسلام.
وتعتبر الهجرة في جوهرها قمة التضحية بالدنيا من
أجل الآخرة، فالمهاجرون باعوا الدنيا بِما فيها واشترَوا الآخرة، فكان لهم عند
الله جزاءً عظيمًا.
المصدر
إسلام ويب
تم اضافة الموضوع بواسطة : Heba Aboelneel
التحميل بصيغة ملف Word
التحميل بصيغة ملف PDF
تقييم الموضوع
شارك الموضوع