إننا لسنا بمنأى عن تاريخنا، ولم تنقطع صلتنا بأجدادنا، بل تركوا لنا آثار وكتابات على جدران مقابرهم عكست لنا جوانب حياتهم وأفكارهم وعقائدهم، وصارت بذلك أهم مصادر التاريخ المصري القديم.
دليل الموضوع
المقدمة
مصادر التاريخ
المصري القديم
المقدمة
يتساءل الكثيرون عن مصادر
التاريخ المصري القديم، فيدور في ذهن البعض سؤال هام، من أين أتى علماء المصريات
بعلمهم، وكيف أزيل الستار الغامض بينا وبين ماضينا؟، بل إن البعض أحيانا يشكك في
مصداقية تاريخنا لكونه شديد القدم عظيم الأثر، لذا سنجيب في هذا المقال عن كل ما
يتعلق بمصادر التاريخ المصري القديم.
مصادر
التاريخ المصري القديم
إن تاريخنا المصري لم يأت
من العدم، ولم يدونه الكتاب والشعراء مثله مثل القصص، ولا عجب أن قولنا أن المصري
القديم هو من كتب تاريخه، بل هو من منحنا هذا التاريخ لنوثقه في علم يحمل اسم بلده
العريق، فقد سجل المصري القديم الكثير من الوثائق التي وثقت فترات من تاريخه، بل
وترك لنا آثار بعرض مصر وطولها تروي لنا الحكاية على لسانه، حكاية تاريخنا المديد
بصوت أجدادنا الاوائل.
الآثار المصرية
إن الأثار التي تركها لنا
الأجداد بمثابة مرآة وشاهد على كل ما مر به القوم منذ بداية عصورهم، فتعد الآثار
بمثابة المصدر الأول للتاريخ المصري القديم، فتعكس لنا مرآة الآثار الأحداث التي
مرت بأرض مصر، كما تحكي لنا كيف نظر المصري للكون ونشأته، وتعكس أبداع الفنان
القديم من خلال ما ترك من مناظر ونقوش، توضح العقائد وتُسمعنا لسان القوم البليغ
من خلال النصوص، وبذلك نتعرف على معجم شديد القديم بالغ الثراء.
تخبرنا الآثار كيف برع
أجدادنا في الهندسة والفلك من خلال ما خلفوه من معابد ومقابر وأهرام، ويخبرنا
الكاتب القديم كيف برع قومه في العلوم والطب والحساب من خلال ما دونه من برديات
حفظتها أرض مصر لتنقل لنا علم أبناءها.
ورغم عظمة ما نقلته
الآثار من معلومات لكن يعاب عليها بعض النقاط باعتبارها مصدر للتاريخ، وذلك لأن
نسبة كبيرة من الآثار دينية في المقام الأول ، كثير منها مدون في الأساس بأمر
الملوك وبالتالي يجب أن ننظر لهذه المصادر بعين محايدة تتمكن من التمييز بين
الحقيقة والمغالاة من خلال مقارنتها بالمصادر الأخرى.
كما توجد ندرة في بعض
الآثار التي تنتمي لعصور الاضمحلال، مما يخلق بينا وبين تلك العصور فجوة مظلمة،
فتخفى عنا بعض الأحداث ولا يسعنا سوى البحث عنها في مصادر أخرى، ولكن تلك العيوب
يمكن تلافيها من خلال المقارنة ما بين المصادر، أو ربما تفصح لنا الكشوف المستمرة
عن أحداث كانت خفية عنا، ومع ذلك تظل الآثار أهم المصادر لدراسة التاريخ المصري،
وذلك لمعاصرتها للأحداث وكأنه القوم يحكون لنا عن تاريخهم بألسنتهم.
القوائم الملكية
تعد القوائم الملكية من
أهم مصادر التاريخ المصري القديم وذلك لما منحته لنا من تأريخ مثبت لتتابع بعض
الملوك، ولم يتوقف الأمر على ترتيب الملوك زمنيا فحسب وإنما امتد لذكر مدة حكمهم
وأبرز أحداث عصورهم، ومن تلك القوائم نذكر:
حجر بالرمو
ينتمي هذا الحجر الموجود
في متحف بالرمو في الأصل إلى مدينة منف، حيث دُون على هذا الحجر المصنوع من
الديوريت أسماء كافة الملوك الذين حكموا منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى عهد الملك
"نفر أير كارع" ثالث ملوك الأسرة الخامسة، ولم يتوقف التأريخ على ترتيب
الملوك فحسب، بل قُسم عصر كل ملك إلى سنوات، كما دونت كل الأحداث المهمة التي حدثت
في كل سنة على حدى وما اندلع من حروب، وما اقيم من منشآت، وما اُحتفل به من أعياد
دينية.
ويعد حجر بالرمو بذلك
أقدم محاولة في العالم لتأريخ سنوات حكم الملوك وأخبارهم، حيث التزم مؤرخي الحجر
ببعض مبادئ التأريخ المتمثلة في الفصل بين كل سنة والأخرى بخط رأسي، وكذلك الفصل
بين سنوات كل ملك والآخر بخط أفقي مع مراعاة الترتيب الزمني في أسماء الملوك والأحداث.
قائمة الكرنك
تعود قائمة الكرنك إلى
عهد الملك تحتمس الثالث وهو من أشهر ملوك الأسرة الثامنة عشر بل والتاريخ القديم
بأكمله، وقد صور الملك في تلك القائمة وهو يقدم الدعوات إلى عدد من أجداده يبلغ
عددهم 61 ملكا، ولكن تحطمت الأسماء الأولى من القائمة.
تبدأ القائمة بالملك
سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة، ثم بعض ملوك نفس الأسرة، ثم الأسرة الخامسة والسادسة،
ثم تذكر القائمة عدد من الملوك ممن ينتمون للأسرات من 11 إلى 17، كما أغفلت
القائمة ملوك عصر الانتقال الأول وملوك فترة الهكسوس والتي تشمل الأسرتين 15 و16،
وتعد تلك القائمة بمثابة بيان لأسلافه الذين اعتبرهم حكام شرعيين، وفخر بالانتماء
إليهم.
قائمة أبيدوس
نقلت لنا قائمة أبيدوس
منظر للملك سيتي الأول من ملوك الأسرة 19 والتي نقشت في عهده وهو برفقة ابنه رمسيس
الثاني يقدمان مجموعة من القرابين لما يقرب من 76 ملك من الأسلاف.
وثقت القائمة حكم الملك
"مني" وما يليه من ملوك وصولًا
لاسم الملك سيتي الأول نفسه، ولكن عبرت عن عدم اعتراف كلا الملكين بشرعية
بعض الملوك كملوك عصر الانتقال الأول وكذلك عصر الهكسوس.
أغفلت القائمة بعض الملوك
كالملك أخناتون وما يليه من ملوك سواء أكان سمنخ كارع أو توت عنخ آمون وكذلك الملك
آي، وذلك لاعتبارات دينية متعلقة بالصراع بين ديانة آمون وآتون، بالإضافة إلى
إسقاط اسم الملكة حتشبسوت.
بردية
تورين
تنتمي بردية تورين إلى
الملك رمسيس الثاني، وتتميز تلك الوثيقة بكونها الوحيدة من بين القوائم التي خطها
صاحبها بالخط الهيراطيقي على ورق البردي، علاوة على ما ورد بها من أسماء
أغفلتها باقي القوائم، بدأ مؤرخ هذه البردية بأسماء المعبودات التي يُنسب لهم حكم
مصر داخل أساطير القوم، ثم أشارت إلى الملك "مني" على اعتباره مؤسس
المملكة المصرية، وتوقفت أسماء الملوك قبيل الأسرة 18.
ذكرت البردية أمر شديد
الأهمية وهو عدد سنوات حكم كل ملك، بل أوردت أيضا عدد الشهور والأيام بدقة تنم على
أن مؤرخها كان على قدر كبير من العلم.
نصوص الأنساب
انتشرت في مصر القديمة
مجموعة من النصوص التي أرخ بها الأفراد تاريخ حيواتهم وحيوات أجدادهم بما يعرف
بنصوص الأنساب، فتكمن أهميتها لكون صاحبها دون أسماء أجداده، مع ذكر الملوك ممن
عاصرهم هؤلاء الأجداد، وبذلك أحدث الكاتب تتابع تاريخي للملوك من خلال تتابع أفراد
أسرته.
ومن أمثلة تلك النصوص
نذكر نص " عنخف -إن- سخمت" الذي عاش حوالي 750 ق.م، فدون على حجر جيري
60 من أجداده، وإلى جوارهم أسماء الملوك المعاصرين لهم، وبذلك ذكر عدد من
الملوك الذين حكموا فيما لا يقل عن 1350 سنة.
وإن وجد في النص أخطاء في
بعض المواضع، ولكنه يظل مصدر شديدة الأهمية من مصادر التاريخ المصري القديم.
تاريخ مانيتون
يرجع الفضل في
تقسيمنا المتعارف عليه لتاريخ مصر القديم إلى أسرات إلى كاهن مصري من مدينة سمنود
بالغربية يُدعى مانيتون، وقد عاش مانيتون في عهد الملك بطليموس الثاني بعد غياب
شمس الحضارة المصرية، وقد سمع الملك عن علمه وإلمامه الكبير باللغة المصرية وكذلك
اليونانية، فكلفه الملك البطلمي بتدوين تاريخ مصر.
انكب مانيتون على دراسة
الوثائق الموجودة في المعابد والمنشآت الحكومية؛ فقسم تاريخ مصر إلى 30 أسرة تبدأ
بالمؤسس "مني" وتنتهى بمجئ الأسكندر الأكبر 332 ق.م.
فقدت الحضارة الإنسانية هذا الكتاب خلال حريق
الإسكندرية، وكل ما وصلنا منه مجرد مقتطفات من الُكتاب اليونان والرومان، ولكن لا
يقلل هذا من قيمة ما وصلنا من نصوص كتبها هذا المؤرخ المصري العظيم.
الكتابات الكلاسيكية
حين زار عدد كبير من
الرحالة والمؤرخين الأغريق مصر في الفترة التي تمتد ما بين القرن السادس قبل
الميلاد والثاني الميلادي سجلوا بعض الكتابات المتعلقة بتاريخ مصر سواء مما عاصروه
أو مما سمعوه عن الأحداث السابقة لعصرهم؛ فنتج عن ذلك مجموعة من التناقضات
والخرافات التي خلقت تاريخ أسطوري عن مصر.
لكن ينبغي علينا أن نأخذ
تلك الكتابات بعين الحذر نظرًا لما تحويه من أخطاء نتجت عن سوء فهمهم لبعض الأحداث
، كما أنهم زاروا مصر في فترات ضعفها حينما بدأت تغيب شمس الحضارة المصرية.
كما أنهم اعتمدوا
على المرويات الشفهية التي سمعوها من صغار الكهنة والإغريق المتمصرين، فحكوا لهم
أحداث بالغة القدم وفسروا النصوص تفسيرات غير صحيحة، وبالتالي تناقلها الكتاب
الكلاسيكيين، كما أنهم كانوا يفتشون عن النوادر وليس الحقائق، بالإضافة إلى ما عُرف
عن بعض الكتاب من تعصبهم لحضارتهم الغربية، فكتبوا ما كتبوا من وجهة نظرهم ا
اليونانية.
المصادر الأجنبية المعاصرة
عاصرت الحضارة
المصرية عدد من حضارات الشرق الأدني القديم كالحضارة البابلية والآشورية على
سبيل المثال، وكان لها علاقاتها الدبلوماسية بأهل تلك الحضارات خاصة إبان عصر
انفتاح الإمبراطورية، ومن أهم تلك المصادر رسائل العمارنة.
ويمكننا أن نعرف رسائل
العمارنة كونها مجموعة من الرسائل الدبلوماسية المتبادلة بين ملوك مصر والشرق، وهي
من أهم مصادر تأريخ السياسية الخارجية للملك أمنحتب الثالث وأخناتون.
وختامًا إننا لسنا بمنأى عن تاريخنا، ولم تنقطع
صلتنا بأجدادنا، بل تركوا لنا آثار وكتابات على جدران مقابرهم عكست لنا جوانب
حياتهم وأفكارهم وعقائدهم، وصارت بذلك أهم مصادر التاريخ المصري القديم.
المصادر
تاريخ وحضارة مصر
القديمة- د/ سمير أديب.
موسوعة تاريخ الحضارة
المصرية- د/ محمد جمال الدين مختار.
مصر والشرق الأدنى
القديم- د/ محمد بيومي مهران.
تم اضافة الموضوع بواسطة : سومة أنور الرفاعي
التحميل بصيغة ملف Word
التحميل بصيغة ملف PDF
تقييم الموضوع
شارك الموضوع