تعرف على عواصم مصر خلال العصور القديمة

دليل الموضوع

المقدمة

التجمعات السكانية في اللغة المصرية القديمة

مقومات اختيار عواصم مصر القديمة

ما هي عواصم مصر القديمة قبل الوحدة؟

ما هي عواصم مصر القديمة بعد التوحيد؟

المقدمة

ليس بغريب على أول دولة مركزية في التاريخ أن تكون لها عواصمها المُحددة وفقًا لمعايير سياسية وجغرافية ودينية منذ أقدم عصورها، فقد تنوعت مراكز الحكم في مصر القديمة، وامتدت العواصم في شمال البلاد وجنوبها، بدء من نخن انتهاء اً بطيبة، لذا سنتعرف في مقالنا هذا على عواصم مصر القديمة. 

التجمعات السكانية في اللغة المصرية القديمة 

عبر المصري القديم في لغته وقاموسه عن كافة التجمعات السكانية التي انتشرت في مصر، كما ميز بين المدينة والعاصمة، بل بين أنواع المدن نفسها، حيث سمى المدينة الصغيرة " دمي"  وهذا ما نستطيع ملامسته إلى الآن في  تسمية مدينة دمنهور، والتي تعود في الأصل إلى لفظ " دمي إن حور" أي مدينة المعبود حور، والتي كانت مقرًا لحور إبان عصور ما قبل التاريخ، كما عبرالمصري القديم عن المدينة الكبيرة بكلمة "نيوت"، وعرف مصطلح العاصمة، فعبر عن عاصمته بكلمة "غنو". 

مقومات اختيار عواصم مصر القديمة

مثلما لم يُنشأ المصري القديم حضارته المجيدة مصادفة، لم يختر عواصمه من قبيل الصدفة، بل وضع أمامه مجموعة من المقومات التي يحدد على أساسها هل تصلح المدينة كعاصمة للدولة المصرية العريقة.

ولعل أهم مقوم أهتم بتوفره المصري في عاصمته أن تقع في موقع متوسط، وبذلك يستطيع الملك أن يبسط سيطرته ونفوذه على مصر السفلى والعليا لضمان وحدة البلاد، والتي كانت أهم هدف يسعى إليه الحكام عبر العصور. 

ولكن لم تنجو البلاد من تغيرات سياسية أُثرت على عامل الموقع المتوسط، فكان يحرص بعض الملوك عند تأسيس أسرة حاكمة جديدة أن تكون مدينته هي العاصمة، وهذا ما حدث بالضبط عندما اختار ملوك الأسرة التاسعة والعاشرة مدينتهم "إهناسيا" الواقعة عند مدخل بني سويف كعاصمة للبلاد.

شكل الدين مقومًا هامًا في اختيار عاصمة مصر، وهذا المقوم الذي اعتمد عليه الملك إخناتون عندما أسس عاصمته "آخت آتون" والتي تعنى أفق آتون في المنيا، رغبة في نشر عقيدته الآتونية.

لا ينبغي لنا أن نغفل أثر نهر النيل على اختيار موقع عواصم مصر، فقد نشأت العاصمة "ساو"  كعاصمة للأسرة السادسة والعشرين على فرع النيل البيلوزي، بالإضافة إلى سمنود عاصمة الأسرة الثلاثين والتي نشأت هي الأخرى على فرع النيل السبنيتي. 

 ما هي عواصم مصر القديمة قبل الوحدة؟ 

عرفت مصر العواصم حتى قبل توحيد شقي البلاد، حيث تجمعت أقاليم الوجه البحري تحت لواء العاصمة "بوتو" وكذلك تجمعت أقاليم الوجه القبلي تحت راية "نخن"، ولكن أين تلك العواصم من خريطة مصر حاليًا؟ 

نخن 

قادت مدينة نخن أقاليم الجنوب كعاصمة قبل الوحدة، وتقع تلك المدينة جنوب خريطة مصر تحديدا في قرية هراكنبوليس في الكوم الأحمر شمال أدفو بمحافظة أسوان، وقد وقع الاختيار على تلك العاصمة لأسباب اقتصادية، حيث تقع نهاية وادي الكاب والذي كان يؤدي إلى مناجم الذهب والفضة الواقعة في الصحراء الشرقية رغبًا في استغلال تلك المناجم، ومن هنا جاء اختيار نخن. 

 أما عن سبب عدول ملوك الجنوب عن نخن فيرجع إلى افتقادها للمقوم الأزلي في الاختيار لكونها تقع في أقصى الجنوب، وبالتالي تعذر بسط النفوذ الكامل على أقاليم الصعيد، فنقل الملوك خلال عصور ما قبل الوحدة العاصمة  إلى "ثني" في إقليم أبيدوس المقدس بمحافظة سوهاج، وبالتالي تمكن الملوك من السيطرة على الصعيد.

 بوتو

اتخذ سكان مصر السفلي من مدينة بوتو التي تقع شرق دسوق بمحافظة كفر الشيخ عاصمة لوحدة الشمال، وقد تم اختيار بوتو لعوامل سياسية تتعلق بالنزاع الدائم مع أقاليم الصعيد، فتوجب اختيار عاصمة تحقق وحدة الشمال، وانتهت بوتو الشمالية بانتهاء نخن الصعيدية، فحين نقل حكام الجنوب العاصمة إلى ثني، صارت ثني بمثابة المركز الذي انطلقت منه محاولات توحيد البلاد على يد كل من الملك "العقرب" والملك نعرمر". 

ما هي عواصم مصر القديمة بعد التوحيد؟

 اتخذ الملوك من بعد توحيد مصر مجموعة من العواصم التي حملت على عاتقها بزوغ الحضارة المصرية التي نقلت ضياء العلم والتقدم والحضارة إلى العالم أجمع، ومن تلك العواصم نذكر: 

 العاصمة البيضاء منف 

 تعد منف العاصمة الأبدية لمصر القديمة، والتي أشرقت منها العديد من الأسرات الحاكمة المصرية، أما عن موقعها حاليا من خريطة مصر، فهي تقع جنوب القاهرة وتحديدا إلى جوار قرية ميت رهينة التابعة لمركز البدرشين بالجيزة، ومن تلك البقعة تحديدًا ولدت منف العظيمة على يد مؤسسها الملك "مني".

أسس "مني" منف واتخذها كعاصمة وحدته بناء على عدة مقومات أبرزها توسط موقعها ما بين الشمال والجنوب، كما جعل منها موقع استراتيجي حربي مميز حيث يجري النيل إلى الشرق منها، كما حصنها من كافة الجهات باستخدام الخنادق.

لعبت مدينة منف دور عظيم عبر التاريخ المصري، فقد استمرت كعاصمة مصر منذ الأسرة الأولى -المؤسسة- وحتى نهاية الأسرة الثامنة، وتعد تلك الفترة من تاريخ مصر بمثابة الأساس الذي بنيت عليه الحضارة المصرية. 

وعلى الرغم من اتخاذ عواصم أخرى لمصر في العصور التالية غير منف العريقة، لكنها حافظت على سلطتها كعاصمة عسكرية للبلاد إبان عصر الدولة الحديثة التي صارت فيه الدولة المصرية امبراطورية مترامية الأطراف تحكم العالم. 

كما انطلقت منها أحدى أهم نظريات خلق الكون في الاعتقاد المصري، وهي نظرية المعبود بتاح، حيث كانت مركز لعبادته، ثم عادت منف إلى ركب العواصم مرة ثانية خلال العصر المتأخر. 

آخت آتون عاصمة العقيدة الجديدة

تنتمى مدينة آخت آتون إلى عواصم مصر الوسطى، حيث تقع أطلالها حاليًا في نطاق ثلاث قرى وهي: 

·       تلك العمارنة بالمنيا

·       الحاج قنديل مركز دير مواس بالمنيا

·       الحوطة مركز ديروط بأسيوط

وقد ولدت آخت آتون على يد الملك إخناتون والتي أسسها فارًا بعقيدته الجديدة من نفوذ كهنة آمون بطيبة، فجعل من آخت آتون مقرًا لدعوته لعبادة آتون، الذي جعل منه معبودًا رسميًا للمدينة. 

كانت آخت آتون عاصمة مميزة بمنشآتها المعمارية المبهرة في تلك العصور القديمة ولكن لسوء حظها أنها قامت على العامل الديني، فبمجرد انتهاء دعوة إخناتون سقطت آخت آتون نتيجة تدميرها المتعمد ، فعادت راية القيادة إلى طيبة من جديد. 

 طيبة.. عاصمة الإمبراطورية المصرية

نالت مدينة طيبة شهرة تاريخية واسعة نتيجة لكونها عاصمة الإمبراطورية المصرية إبان عهد الدولة الحديثة، فتسيدت طيبة العالم، كما يعود لها الفضل من الأساس في قيام الإمبراطورية، فلولا أمرائها الشجعان ما تحررت مصر من قبضة الهكسوس، لذا تدين مصر لطيبة بالكثير من تقدمها. 

وعلى الرغم من ارتباطها بملوك الدولة الحديثة، لكنها ظهرت على مسرح أحداث مصر منذ الدولة الوسطى، حين اتخذها ملوك الأسرة الحادية عشر كعاصمة لأسرتهم بعد انقشاع ظلام عصر الفوضى الأول، وكأنه كُتب على طيبة أن تُخلص مصر من عصور ظلامها الدامس.

وانتهى دورها خلال الدولة الوسطى حين نقل أمنمحات الأول العاصمة إلى اللشت في الشمال، ثم عادت إليها الأضواء عندما نجح المُحرر أحمس في طرد الهكسوس، فلمع نجمها ونجم معبودها آمون. 

ثم عادت إليها السلطة السياسية مرة آخرى خلال عصر الأسرة الحادية والعشرين  كعاصمة ثانية لمصر، وذلك  على يد كهنة آمون الذين سيطروا على البلاد بعد ضعف الملوك في تلك الفترة، فصارت بذلك تانيس الموجودة بصان الحجر بالشرقية عاصمة للشمال وطيبة عاصمة للجنوب.

 وختامًا إن تلك لمحات صغيرة عن بعض أشهر عواصم مصر القديمة، فلا يسعنا مقال واحد أن نتحدث عن عواصم مجيدة أثرت في تاريخ البشرية وغيرت مجراه لعقود، بل وتحكمت في سير الأحداث على خريطة الشرق الأدني القديم . 

المصدر :

عواصم مصر القديمة - دكتور أحمد محمد البربري.