تعتبر رحلة الإسراء والمعراج من الرحلات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث تم الذكر لهذا الرحلة في القران الكريم
دليل الموضوع :
1.
نبذه عامه
2.
الدليل من القرآن الكريم على الإسراء
3.
دليل
ثبوت معجزة الإسراء
4
.
أحداث حصلت مع النبي في ليلة الاسراء
والمعراج
5.
من
عَجائبِ ما رَأى الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الإسراء
6.
دليل ثبوت معجزة المعراج
7. ما
المقصود منَ المعراجِ
8. من
عجائبِ ما رأى الرسولُ صلى الله عليه وسلم في المعراج
9. ماذا
حصل بعد رجوع الرسولِ مِنَ ليلة الاسراء والمعراج
نبذه عامه :
تَمُرُّ
عَلَيْنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيْمِ رَجَبٍ ذِكْرَى ليلة الاسراء والمعراج
، وَهِيَ مناسبة سَامِيَةٌ لذكرى رَاقِيَةٍ يُحْتَفَلُ بِهَا لِعَظِيمِ
مَدْلُولِهَا وَجَلالِ قَدْرِهَا، كَيْفَ لا وَهِيَ معجزة كُبْرَى خُصَّ بِهَا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ الأَمِينُ،
خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَأَوْفَى الأَوْفِيَاءِ ففي ليلة الاسراء والمعراج كَانَ
إِسْرَاؤُهُ مِنْ مكة المكرمة لِلأَقْصَى الشَّرِيفِ، وَمِعْرَاجُهُ إِلَى
السَّمَاوَاتِ الْعُلا وَرُجُوعُهُ فِي جُزْءِ لَيْلَةٍ يُخْبِرُ أَهْلَ الأَرْضِ
عَمَّا رَأَى مِنَ العجائب وَيَصِفُ لَهُمْ الأَقْصَى نَافِذَةً نَافِذَةً،
دَلِيلاً قَاطِعًا وَبُرْهَانًا سَاطِعًا عَلَى صِدْقِ دَعْوَتِهِ وَحَقِيَّةِ
نُبُوَّتِهِ.
ليلة
الاسراء والمعراج :
الدليل من القرآن الكريم على
الإسراء
فقَدْ
قالَ اللهُ تباركَ وتعالى:﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء/1).
السَّبْحُ
في اللغة معناه التباعد. ومعنى سبحان الله تنـزه الله عن مشابهة الخلق بأي وجه من
الوجوه. والإسراء هو السير بالليل، فالإسراء والمعراج حصلا في جزء من ليلة واحدة،
والمسجد الحرام سُمي بذلك لحرمتهِ وللأحكام الخاصة به منها: مضاعفة أجر الصلاة فيه
أضعافًا كثيرة، ووجوده في مكة أفضل بقاع الأرض، وتحريم صيد البرّ في الحرم.
والمسجد الأقصى سمي بذلك لبعده عن المسجد الحرام، وكلاهما بناهما ءادم عليه
السلام، بنى الكعبة ثم بعد أربعين سنة بنى المسجد الأقصى، وسماه الله مسجدًا مما
يدل على أنه كان عمل كسائر أماكن عبادة المسلمين أتباع كل الأنبياء لعبادة الله
الواحد بالصلاة التي يسجد فيها المسلم لله. وقوله تعالى:{بَارَكْنَا حَوْلَهُ}
معناه أنّ أرض الشام أرض مباركة، فقد ثبت في الصحيح صحيح البخاري أن الرسول صلى
الله عليه وسلم قال: “اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا” قالوا: وفي نجدنا يا رسول
الله؟ قال: “هناك الزلازل والفتن هناك يطلع قرن الشيطان“. فأرض الشام مباركة
وفلسطين التي فيها المسجد الأقصى من الشام.
والله
تباركَ وتعالى بعث الأنبياءَ رحمةً للعبادِ، إذْ ليسَ في العَقْلِ ما يُسْتَغْنى
به عنهم، لأن العَقْلَ لا يستِقلُّ بمعرفةِ الأشياءِ المنجيةِ في الآخرةِ، فالله
تعالى مُتَفَضّلٌ بها على عبادِهِ. وقد أيدَ الله تباركَ وتعالى الأنبياءَ
بمعجزاتٍ لتكونَ دليلا على صدقهم. والمعجزةُ أمرٌ خارقٌ للعادةِ يَظْهَرُعلى يدِ
مُدَّعِي النبوةِ، موافقٌ للدعوةِ، سالمٌ من المعارضةِ بالمثلِ، وكان صلى الله
عليه وسلم أعظمَ الأنبياءِ معجزاتٍ، فقدْ نَقَلَ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابِ مناقبِ
الشافعيّ عن أبيهِ عن عمَرَ بنِ سواد عن الشافعي قال: ” ما أعطى الله شيئًا ما
أعطى محمدًا فقلتُ أعطى عيسى إحياءَ الموتى قالَ: أُعْطِيَ محمدٌ حنينَ الجذْعِ
حتى سُمِعَ صوتُه فهذا أكبرُ مِنْ ذلكَ “.
دليل ثبوت معجزة الإسراء
:
معجزةُ
الإسراءِ ثابتةٌ بنصّ القرءانِ والحديثِ الصحيحِ، فيجبُ الإيمانُ بأنّ الله أسرى
بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلا منْ مكةَ المكرمةِ إلى المسجدِ الأقصى. وقدْ
أجمَع أهلُ الحقِ من سَلَفٍ وخَلَفٍ ومحدثينَ ومتكلمينَ ومفسرينَ وفقهاءَ على أنّ
الإسراءَ كان بالجَسَدِ والروحِ وفي اليقظةِ، وهذا هو الحقُّ، وهو قولُ ابنِ عباسٍ
وجابرٍ وأنَسٍ وعمرَ وحذيفةَ وغيرِهِمْ منَ الصحابةِ وقولُ الإمامِ أحمدَ وغيرِهِ
مِنَ الأئمةِ وقولُ الطبريّ وغيرهِ، فلا خلافَ إذًا في الإسراءِ به صلى الله عليه
وسلم إذ فيه نصٌّ قرءانيٌّ، فلذلك قالَ العلماءُ: “إنَّ مَنْ أنكَرَ الإسراءَ فقدْ
كذَّبَ القرءانَ ومَنْ كَذَّبَ القرءانَ فقد كَفَرَ”.
وروى
البيهقيُّ عنْ شدّادِ بنِ أوسٍ قال: قلنا يا رسولَ الله كيف أُسريَ بِكَ؟ قال:
“صلَّيْتُ لأصحابي صلاةَ العَتَمَةِ بمكة مُعْتِمًا، وأتاني جبريلُ عليهِ السلامُ
بدابّةٍ بيضاءَ فوقَ الحمارِ ودونَ البغلِ، فقال: اركبْ فاسْتَصْعَبَتْ عليَّ،
فَدَارَها بِأُذُنِها ثم حَمَلني عليها، فانْطَلَقَتْ تهوي بنا يَقَعُ حافرُها
حيثُ أدركَ طرفُها حتى بلغْنا أرضًا ذاتَ نَخْلٍ فأنزلني فقالَ: صَلّ. فصليتُ، ثم
ركِبْنا فقالَ: أتدري أينَ صلَّيتَ؟ قلتُ: الله أعلمُ قالَ: صليتَ بيثربَ، صليتَ
بطَيبةَ، فانطلقتْ تهوي بنا يقعُ حافرُها حيثُ أدركَ طَرْفها، ثم بلغنا أرضًا
فقال: انزِلْ فنـزلتُ ثم قال: صلّ. فصليتُ ثم ركبنا فقالَ: أتدري أينَ صليتَ؟
صليتَ بطورِ سيناءَ حيثُ كلّمَ الله عزَّ وجلَّ موسى عليهِ السلامُ، ثم انطلقتْ
تهوي بنا يقعُ حافرُها حيث أدركَ طرْفُها، ثم بلغْنَا أرضًا بدتْ لنا قُصورٌ،
فقالَ: انزِلْ. فنـزلتُ فقالَ: صلّ. فصليتُ ثم ركِبنا قالَ: أتدري أينَ صليتَ.
قلتُ: الله أعلمُ، قالَ: صليتَ ببيتِ لَحمٍ حيثُ ولدَ عيسى عليهِ السلامُ المسيحُ ابنُ
مريَم، ثم انطلقَ بي حتى دَخَلْنا المدينة من بابِها اليمانيّ فأتى قِبْلَةَ
المسجِدِ فرَبَطَ بِهِ دابّتَهُ ودخلْنا المسجدَ مِنْ بابٍ فيه تميلُ الشمسُ
والقمرُ فصليتُ مِنَ المسجدِ حيثُ شاءَ الله“.
أحداث حصلت مع النبي في ليلة الاسراء والمعراج
:
في
ليلة الاسراء والمعراج شُقَّ صَدرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يُسْرَى بهِ
ليلا منْ بيتِ أم هانئ منْ مكةَ المكرمةِ منَ المسجدِ الحرامِ.
قالَ
أنسُ بنُ مالكٍ كانَ أبو ذرٍ يحدّثُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ”
فُرِجَ سقفُ بيتي وأنا بمكةَ فنـزلَ جبريلُ ففرَجَ صدري ثُمَّ غَسَلَهُ من ماء
زمزم ثم جاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذهبٍ ممتلئ حكمةً وإيمانًا فأَفْرَغَها في صدري ثم
أطبقَهُ ” رواه مسلمٌ.
وفي
ليلة الاسراء والمعراج قَدْ جمعَ الله عزَّ وجلَّ لسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم
جميعَ الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُهُ عليهم في بيتِ المقدسِ مِنْ ءادمَ فمنْ
بعدَهُ فصلَّى بهمْ إمامًا. وهذا دليل على أن الأنبياء لهم تصرف بإذن الله بعد
موتهم وينفعون من شاء الله أن ينتفع منهم فهم ليسوا كالناس العاديين فقد روى
البزار والبيهقي وغيرهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “الأنبياء أحياءٌ في
قبورهم يصلون“.
وقالَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراءِ والمعراجِ: ” ثُمَّ دخلتُ بيتَ
المقدسِ فجُمِعَ لِيَ الأنبياءُ عليهمُ السلامُ فَقَدَّمَنِي جبريلُ حتى
أمَمْتُهُمْ ثم صُعِدَ بيَ إلى السماءِ ” رواه النسائي.
ليلة
الاسراء والمعراج :
من
عَجائبِ ما رَأى الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الإسراء :
1.
الدنيا : رأى وهو في طريقِهِ إلى بيتِ المَقْدِسِ الدنيا
بصورةِ عجوزٍ.
2.
إبليسُ : رأى شيئًا مُتَنَحّيًا عن الطريقِ يدعُوهُ وهو
إبليسُ وكانَ منَ الجنّ المؤمنينَ في أولِ أمرِهِ، ثم كفرَ لاعتراضِهِ على الله.
قال تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِ} [سورة الكهف/50].
3.
ماشطةُ بنتِ فرعونَ : ثم شَمَّ رائحةً طيبةً مِنْ قبرِ
ماشطةِ بنتِ فرعونَ وكانتْ مؤمنةً صالحةً وجاءَ في قصتِها أنها بينما كانتْ تمشُطُ
رأسَ بنتِ فرعونَ سقطَ المُشْطُ من يدِها فقالتْ بسمِ الله، فَسَأَلَتها بنتُ
فرعونَ أَوَ لَكِ ربٌّ إله غيرُ أبي؟ فقالت الماشطةُ نعمْ ربي وربُّ أبيكِ هُوَ
الله، فأخبرتْ أبَاها فطلبَ مِنْها الرجوعَ عن دينِها فأبتْ فَحَمَّى لها ماءً
فألقى فيهِ أولادَها ثم كَلَّمَها طفلٌ لها رضيعٌ قبلَ أنْ يَرمِيَهُ: “يا
أُمَّاهُ أصْبِري فإنَّ عذابَ الآخرةِ أشدُّ مِنْ عذابِ الدنيا فلا تتقاعَسِي
فإنكِ على حقّ” فقالتْ لفرعونَ: “لي عندَكَ طَلَبٌ، أنْ تجمَعَ العظامَ وتدفِنَها”
فقال: “لكِ ذلكَ”، فألقاها فيهِ. وقدْ ماتتْ شهيدةً هيَ وأولادُها.
4.
المجاهدونَ في سبيلِ الله : رأى قومًا يَزْرَعُونَ
ويَحْصُدُونَ في يومينِ، فقالَ لهُ جبريلُ: هؤلاءِ المجاهدونَ في سبيلِ الله.
والجهادُ
في سبيلِ الله نوعانِ: جهادٌ بالسّنانِ أي بالسلاحِ، وجهادٌ في سبيلِ الله
بالبَيَانِ، وثوابُ هذا كثوابِ من جاهَد بالسلاحِ، فاليومَ مَن أمرَ بالمعروفِ
ونهَى عن المنكَرِ بجِدّ فهو مجاهدٌ في سبيلِ الله، والمجاهدونَ لهم درجةٌ عاليةٌ
في الآخرةِ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ” مَن أحيا سنتي عند فسادِ أمتي
فله أجرُ شهيد” والمقصودُ بالسُّنةِ هنا الشريعةِ التي جاء بها رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
5.
خطباءُ الفتنةِ : رأى أناسًا تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ
وشِفَاهُهُمْ بِمَقارِيضَ مِنْ نارٍ، قالَ لهُ جبريلُ: هؤلاءِ خطباءُ الفتنةِ،
يعني الذينَ يَخْطُبونَ للشرّ والفتنةِ، أي يَدْعُونَ الناسَ إلى الضلالِ والفسادِ
والغَشّ والخيانَةِ.
6.
الذي يتكلمُ بالكلمةِ الفاسدةِ : ورأى ثورًا يخرجُ مِنْ
مَنْفَذٍ ضَيّقٍ ثم يريدُ أن يعودَ فلا يستطيعُ أنْ يعودَ إلى هذا المَنْفَذِ،
فقالَ لَهُ جبريلُ: هذا الذي يتكلمُ بالكلمةِ الفاسدةِ التي فيها ضررٌ على الناسِ
وفتنةٌ، ثم يريدُ أن يَرُدَّها فلا يستطيعُ.
7.
الذين لا يؤدونَ الزكاةَ : ورأى أناسًا يَسْرَحُونَ
كالأنْعامِ على عَوْراتِهِمْ رِقاعٌ (سُتَرٌ صغيرةٌ) قالَ لَهُ جبريلُ: هؤلاءِ
الذينَ لا يؤدُّونَ الزكاةَ.
8.
تاركو الصلاة : ورأى قومًا تَرْضَخُ (الرضخ: كسر الرأس)
رُءُوسُهُمْ ثم تَعُودُ كما كانتْ فقالَ جبريلُ: هؤلاءِ الذينَ تَتَثَاقَلُ
رُءُوسُهُمْ عنْ تأديةِ الصلاةِ.
9.
الزناةُ : ورأى قومًا يَتَنَافَسُونَ على اللحمِ
المُنْتِنِ ويتركونَ اللحمَ الجيّدَ المُشَرَّحَ فقالَ جبريلُ: هؤلاءِ أناسٌ مِنْ
أمّتِكَ يتركونَ الحلالَ فلا يَطْعَمُونَهُ ويأتونَ الحرامَ الخبيثَ فيأكلونَهُ
وهُمُ الزناةُ.
10.
شاربو
الخمر : رأى أناسًا يشربونَ من الصَديدِ الخارجِ منَ الزناةِ، قالَ لَهُ جبريلُ،
هؤلاءِ شاربو الخمرِ المُحرَّمِ في الدنيا.
11.
الذينَ
يمشونَ بالغيبةِ : رأى قومًا يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ بأظفارٍ
نُحاسِيَّةٍ، قالَ لَهُ جبريلُ: هؤلاء الذينَ كانوا يَغتابونَ الناسَ.
والغيبة
من أشد أسباب عذاب القبر هي والنميمة وترك الاستنـزاه من البول. وغيبة الأتقياء من
الكبائر، ثم الغيبة لا تفسد الصوم قال الإمام أحمد: لو كانت الغيبة تفسد الصوم لما
صح لنا صوم.
دليل
ثبوت معجزة المعراج
المعراجُ
ثابتٌ بنصّ الأحاديثِ الصحيحةِ، وأما القرءانُ فلم ينصَّ عليه نصًّا صريحًا، لكن
وردَ فيه ما يكادُ يكونُ نصًّا صريحًا.
قال
الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
(14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ [سورة النجم] فإن قيل قوله (وَلَقَدْ رَءاهُ)
يحتملُ أنْ يكونَ رؤيةً منامِيةً. قلنا هذا تأويلٌ، ولا يَسُوغُ تأويلُ النصّ أي
إخراجُهُ عن ظاهِرِهِ لِغيرِ دليلٍ عَقْليّ قاطعٍ أو سَمْعِيّ ثابتٍ كما قاله
الرازيُّ في المحصولِ، وليسَ هنا دليلٌ على ذلكَ.
قالَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديثِهِ عَنِ ليلة الاسراء والمعراج : “ثم
عَرَجَ بنا إلى السماءِ فاسْتَفْتَحَ جبريلُ فقيلَ: مَنْ أَنتَ. قالَ: جبريلُ.
قِيل: وَمَنْ معكَ؟ قالَ: محمدٌ. قيلَ: وقدْ بُعث إليهِ؟ (1) قالَ: قَدْ بُعِثَ
إليهِ. فَفُتحَ لنا فإذا أنا بآدمَ فرحّبَ بي ودَعَا لِي بخيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ
بِنَا إلى السماءِ الثانيةِ، فاسْتَفْتَحَ جبريلُ عليهِ السلامُ فقيلَ: مَنْ
أنْتَ؟ قَال: جبريلُ. قيل: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ. قِيلَ: وقد بُعِثَ إليهِ؟
قالَ: قَدْ بُعِثَ إليهِ. فَفُتحَ لنا فإذا أنا بِابْنَيِ الخالةِ عيسى ابنِ مريمَ
ويحيى بنِ زكرياءَ صلواتُ الله عليهِما فرَحّبا ودَعَوَا لي بِخَيرٍ.
ثم
عَرَجَ بي إلى السماءِ الثالثةِ فاسْتفتَحَ جبريلُ، فقيلَ: مَنْ أنتَ؟ قال:
جبريلُ، قيل: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم قيلَ: وقَدْ بُعِثَ
إليهِ؟ قالَ: قدْ بُعِثَ إليهِ. فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بيوسُفَ صلى الله عليه وسلم
إذْ هوَ قَدْ اُعطيَ شَطْرَ الحُسْنِ. فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ.
ثم
عَرَجَ بنا إلى السماءِ الرابعةِ فاسْتَفْتَحَ جبريلُ عليهِ السلامُ. قيلَ: مَنْ
هذا؟ قال: جبريلُ: قيلَ: ومَنْ معكَ؟ قال: محمدٌ. قالَ: وقدَ بُعِثَ إليهِ؟ قال:
قد بُعِثَ إليهِ. فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بإدريسَ فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ. قالَ الله
عزَّ وجلَّ:﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [سورة مريم].
ثم
عَرَجَ بنا إلى السماءِ الخامسةِ فاستفتَحَ جبريلُ. قيلَ: مَنْ هذا؟ قالَ: جبريلُ.
قيلَ: وَمَنْ معكَ؟ قالَ: محمدٌ. قيل: وقد بُعِثَ إليهِ؟ قال: قد بُعِثَ إليهِ.
ففُتِحَ لنا فإذا أنا بهارونَ صلى الله عليه وسلم فرحَّبَ ودعا لي بخيرٍ.
ثم
عَرَجَ بنا إلى السماءِ السادسةِ فاستفتحَ جبريلُ عليه السلامُ قيلَ: مَنْ هذا؟
قال: جبريلُ، قيلَ: ومَنْ مَعَكَ؟ قَال: محمدٌ. قيل: وقَدْ بُعِثَ إليهِ؟ قال:
قَدْ بُعِثَ إليه. فَفُتِحَ لنا فإذا أمامي موسى صلى الله عليه وسلم فرحَّبَ ودعا
لي بخيرٍ.
ثم
عَرَجَ بنا إلى السماءِ السابعةِ فاستفتحَ جبريلُ فقيلَ: مَنْ هذا؟ قالَ: جبريلُ.
قيل ومن معكَ؟ قال: محمدٌ صلى الله عليه وسلم قيلَ: وقد بُعثَ إليهِ؟ قال: قَدْ
بُعِثَ إليه. ففُتِحَ لنا فإذا أنا بإبراهيمَ صلى الله عليه وسلم مُسْنِدًا ظهره
إلى البيتِ المعمورِ وإذا هُوَ يدخلُهُ كلَّ يومٍ سبعونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يعودونَ
إليهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بي إلى سدرةِ المنتهى وإذا وَرَقُها كآذانِ الفِيَلَةِ، وَإذا
ثَمَرُها كالقِلالِ (2). قال: فلما غَشِيَها مِنْ أمرِ الله مَا غَشِيَ
تَغَيَّرَتْ فما أحدٌ من خلق الله يستطيعُ أن يَنْعَتها من حُسنِها فأوحى الله
إليَّ ما أوحى ففَرَضَ عليَّ خمسينَ صلاةً في كل يومٍ وليلةٍ فنـزلْتُ إلى موسى
صلى الله عليه وسلم فقالَ: ما فرضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِك؟ قلتُ: خمسينَ صلاةً،
قالَ: ارجِعْ إلى ربّك (3) فاسألهُ التخفيفَ فإنَّ أمَّتَك لا يُطيقونَ ذلك فإني
قد بَلَوْتُ بني إسرائيلَ وخَبِرْتُهمْ. قال: فرجَعْتُ إلى ربي فقلتُ: يا ربّ
خَفّفْ على أمتي. فَحَطَّ عني خَمْسًا فرجَعتُ إلى موسى فقلتُ حطّ عني خمسًا.
قَالَ: إنَّ أمتكَ لا يطيقونَ ذلكَ فارجعْ إلى ربّك فاسألْهُ التخفيفَ قال: فَلَمْ
أزلْ أَرجِعُ بينَ ربي (4) تباركَ وتعالى وبينَ موسى عليهِ السلامُ حتى قالَ: يا
محمدُ إنهنَّ خمسُ صلوات كُلَّ يَوْمٍ وليلةٍ لِكُل صَلاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ
خَمْسُونَ صَلاةً. ومن هَمَّ بحسنةٍ فلم يعملها كُتِبَتْ له حسنةً، فإن عَمِلَها
كتبتْ له عشرًا، ومن هَمَّ (5) بسيئةٍ فلم يعملْها لم تُكْتَبْ شَيْئًا، فإنْ
عَمِلَها كُتبتْ سيئةً واحدةً قال: فنـزلتُ حتى انتهيتُ إلى موسى صلى الله عليه
وسلم فأخبرتُهُ فقال: ارجعْ إلى ربّك فاسألْهُ التخفيفَ. فقالَ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم: فقلت: قد رجَعتُ إلى ربي حتى اسْتَحْيَيْتُ منهُ” رواه مسلمٌ.
ما المقصود منَ المعراجِ
المقصودُ
من المعراجِ تشريفُ الرسولِ بإطلاعِهِ على عجائِبِ العالمِ العلويّ، وتعظيمُ
مَكانتِهِ. قال تعالى: “ لَقَدْ رَأَى مِنْ ءايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ” سورة
النجم {18}
فائدة
جليلة : يجدر بنا أن نذكر بأنّ الله تعالى هو خالق السماوات السبع وخالق الأماكن
كلّها وأنّ الله كان موجودا قبل خلق الأماكن بلا هذه الأماكن كلّها. فلا يجوز أن
يُعتقد أنّ الله تعالى موجود في مكان أو في كل الأمكنة أو أنه موجود في السماء
بذاته أو متمكن على العرش أو حال في الفضاء أو أنه قريب منا أو بعيد عنا بالمسافة،
ومن نسب المكان أو الجهة لله لا يكون مسلما، ويكون الدخول في الاسلام بالنطق
بالشهادتين أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله مع اعتقاد الصواب،
أنّ الله موجود بلا مكان ولا يشبه شيئا من مخلوقاته.
من
عجائبِ ما رأى الرسولُ صلى الله عليه وسلم في المعراج:
1.
مالكٌ خازنُ النار: مِنْ
جملةِ ما رءاه تلكَ الليلةَ مالكٌ خازنُ النارِ، ولم يضحكْ في وَجْهِ رسولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم. فَسألَ جبريلَ لماذا لم يَرَهُ ضاحكًا إليهِ كغيرِهِ. فقالَ:
إن مالِكًا لم يَضْحَكْ مُنْذُ خلقهُ اللهُ تعالى، ولو ضَحِكَ لأحدٍ لضَحِكَ
إليكَ.
2.
البيتُ المعمورُ : ورأى
في السماء السابعةِ البيتَ المعمورَ، وهو بيتٌ مُشَرَّفٌ، وهو لأهْلِ السماءِ
كالكعبةِ لأهلِ الأرضِ، كُلَّ يَومٍ يدخلُهُ سبعونَ أَلْفَ مَلَكٍ يصلون فيهِ ثمَّ
يخرجونَ ولا يَعُودُونَ أَبدًا.
3.
سدرةُ المنتهى: وهي شجرةٌ
عظيمةٌ بها من الحُسْنِ ما لا يَصِفُهُ أحدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، يَغْشَاها فَرَاشٌ
(1) من ذَهَبٍ، وأصلُها في السماءِ السادسةِ، وتصلُ إلى السابعةِ، ورءاها الرسولُ
صلى الله عليه وسلم في السماءِ السابعةِ.(1) – الفراش: جمع فراشة وهي التي تطير
وتتهافت في السراج
4.
الجنةُ : وهي فوقَ
السموات السبعِ منفصلة عنها فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على
قلب بشرٍ مما أعدهُ اللهُ للمسلمينَ الأتقياءِ خاصةً، ولغَيرِهِمْ مِمَّنْ يدخلُ
الجنةَ نعيمٌ يشتركون فيه معهم.
ورأى
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الجنةِ الحورَ العينِ فطلبَ منه سيّدُنا جبريلُ
أن يسلّمَ عليهنَّ بالقول فقلن له : نحن خيراتٌ حسانٌ، أزواجُ قومٍ كرامٍ. ورأى
فيها الولدانَ المخلدينَ وهم خلقٌ من خَلْقِ اللهِ ليسوا من البَشَرِ ولا منَ
الملائكةِ ولا منَ الجنّ، اللهُ تعالى خَلَقهُم مِنْ غيرِ أمّ وأبٍ كاللؤلؤِ
المنثورِ ليخدِمُوا أهلَ الجنةِ، والواحدُ من أهلِ الجنةِ أَقلُّ ما يكونُ عنده من
هؤلاءِ الولدانِ عَشرَةُ ءالافٍ بإحدى يديْ كلّ منهم صحيفةٌ من ذهبٍ وبالأخرى
صحيفةٌ مِنْ فضةٍ.
5.
العرشُ : ثم رأى العرشَ
وهو أعظمُ المخلوقات، وحولَهُ ملائكةٌ لا يعلمُ عدَدَهُمْ إلا اللهُ.
6.
وصولُهُ صلى الله عليه
وسلم إلى مستوًى يسمعُ فيهِ صريفَ الأقلامِ: ثم انفردَ رسولُ اللهِ عنْ جبريلَ
بعدَ سدرةِ المنتهى حتى وصلَ إلى مستوًى يسمعُ فيه صريفَ الأقلامِ التي تَنْسَخُ بها
الملائكةُ في صُحُفِها منَ اللوحِ المحفوظِ.
7.
رؤيتُهُ صلى الله عليه
وسلم لله عزَّ وجلَّ بفؤادِهِ لا بعينِهِ
8.
ماذا فَهم رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم مِنْ كلامِ اللهِ الذاتيّ: فهمَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم
مِنْ كلامِ اللهِ الذاتيّ فرضيةَ الصلواتِ الخمسِ. وفهم أيضًا أنه يُغْفَرُ
لأمتِهِ كبَائرُ الذنوبِ لمنْ شاءَ اللهُ لَهُ ذلكَ.
9.
رؤيتُهُ صلى الله عليه
وسلم لسيدِنا جبريلَ عليهِ السلامُ على هيئتِهِ الأصليةِ
ماذا حصل بعد رجوع الرسولِ مِنَ ليلة الاسراء والمعراج :
قالَ
بعضُ العلماءِ: كانَ ذهابُهُ مِنْ مكةَ إلى المسجِدِ الأقصَى وعُروجُهُ إلى أنْ
عادَ إلى مكةَ في نحو ثُلُثِ لَيلةٍ أَخْبَرَ أمَّ هانئ بذلكَ ثُمَّ أخبرَ الكفارَ
أَنهُ أُسْرِيَ بِهِ فلمْ يصدّقُوهُ واستهزءُوا به فَتَجَهَّزَ ناسٌ مِنْ قريشٍ
إلى أبي بَكْرٍ فقالوا لهُ: هَلْ لكَ في صاحبكَ يَزْعُمُ أنه قَدْ جاءَ بيتَ
المقدسِ ثمَّ رجعَ إلى مكةَ في ليلةٍ واحدةٍ، فقالَ أبُو بكرٍ: أَوَ قَالَ ذلكَ؟
قالوا: نعمْ قالَ: فأشهدُ لَئِنْ كانَ قَالَ ذلكَ لقدْ صَدَقَ. قالوا:
فَتُصَدّقُهُ بأنْ يَأتِيَ الشامَ في ليلةٍ واحدةٍ ثُمَّ يَرْجِعَ إلى مكة قبلَ
أنْ يُصْبِحَ؟ قَال: نعمْ، إني أُصَدّقُهُ بأبعدَ مِنْ ذلكَ أُصَدّقُهُ بِخَبَرِ
السماءِ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فبها سُمّيَ أَبو بَكْرٍ الصديقَ رضيَ اللهُ عنه.
وطَلبَ
الكفارُ مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصِفَ لهم المسجدَ الأقصى
لأنهمْ يعلمونَ أنهُ لم يرحلْ مَعَ أهلِ بلدِهِ إلى هناكَ قطُّ. فجمَعَ لَهُ أَبُو
جَهْلٍ قومَهُ فحدثَهُمُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال قومٌ منهمْ
مِمَّنْ كانَ قَدْ سافرَ إلى ذلكَ البلدِ ورأى المسجدَ: أمَّا النعتُ فَقَدْ
واللهِ أصابَ
المصدر: دار الفتوي
تم اضافة الموضوع بواسطة : Beso Mustafa
التحميل بصيغة ملف Word
التحميل بصيغة ملف PDF
تقييم الموضوع
شارك الموضوع