قصة جحا والسلطان للكاتب أحمد بهجت وتحكي القصة عن وصول جحا وهو يسير وسط حميره الخمسة إلى باب معسكر السلطان فيوقفه الجند على الباب لكي تبدأ القصة
وصل جحا
و هوا يسير وسط حميرة الخمسة إلى باب معسكر السلطان فأوقفه الجند على الباب
و
سألوه: من أنت يا هذا و إلى أين تذهب ؟
قال جحا: أيها
الحمقى ألا تعرفون جحا؟؟ حكيم الحمقى وأحمق الحكماء.
قال
له الجند: ماذا تريد؟
قال جحا: أريد
رؤية تيمورلنك.. أنا أخر من بقي من علماء المملكة التي تحتلونها.
سأله
الحرس: وما تلك الحمير التي تسحبها معك؟
قال جحا: هؤلاء
كانوا حرسا للسلطان السابق، ثم انسخطوا حميرا كما ترون.
ذهب
واحد من الحرس أخبر الضابط أن هناك شخصاً يسمى جحا، معه خمسة حمير ويريد لقاء السلطان.
وحمل
الضابط الخبر إلى كبير الضباط ،وأسرع كبير الضباط إلى قائد الحرس الأعلى، وأسرع
قائد الحرس إلى الوزير، وأسرع الوزير الى كبير الوزراء،
قال
كبيرالوزراء:السلطان الآن نائم …. ولا يمكن
إيقاظه لهذا السبب التافه.من هو جحا
و ما تلك الحمير التي يسحبها معه؟
قال
المسؤول :يقول إنه آخر من بقى من علماء المملكه .
قال
كبير الوزراء : آه .. هو آخر من بقى من علماء المملكه .. هذا
يعنى أن تيمورلنك سيقتله بعد امتحانه . عظيم جداً .. أكرموه وقدموا إليه الطعام
ولينتظر حتى يصحو تيمورلنك . وعليه ألا يساعجل يقظة السلطان ، لأن عنقه بخير طالما
السلطان نائم
ذهب
الخير إلى جحا أن السلطان نائم ولا يمكن إيقاظه .
قال جحا
ثائراً : ما هذا .. السلطان نائم والقاضى نائم والشرطى
نائم .. هذه بلاد نام فيها من كان ينبغى أن يسهر ، وسهر من كان ينبغى أن ينام ..
أنا مشغول وليس عندى وقت أضيعه فى انتظار يقظة السلطان .
عاد
الخبر إلى كبير الوزراء أن جحا مشغول وليس عنده وقت يضيعه فى انتظار السلطان .
قال
كبير الوزراء : هذا رجل مجنون بالقطع. قولوا له إن رقبته ستقطع
إذا لم ينتظر السلطان .
ذهب
الظابط إلى جحا وقال له : يقول لك الوزير الأكبر أن عليك أن تنتظر السلطان
.. وهو يهددك بقطع رقبتك غداّ لم تنتظر .
تحسس
جحا رقبته وأدرك أن صاحب الخان قد صدقه القول ، أدرك أنه هلك بدخوله بقدميه إلى
عرين الأسد ، وقرر ان يهرب ، فقال للضابط : لا بأس .. سوف أذهب الآن وأعود غداً
عندما يستيقظ السلطان.
قال
الضابط : أين تذهب يا جحا ؟؟ لا تتحرك من مكانك .. انتظر
هنا حتى يستيقظ مولاي ومولاك السلطان، قاهر البرين و البحرين، تيمورلنك ..
قال جحا : لقد
ضاع جحا بين قاهر البرين وقاهر البحرين .
قال
الضابط : ماذا قلت ؟
قال جحا : قلت
لا حول ولا قوة إلا بالله ..
جلس جحا
فى مكانه صامتاً هادئاً ، وراح الخوف يلعب به كما تلعب الرياح بورقة من أوراق
الأشجار ..
ومرت
لحظات قصيره ، ثم بدأت حمير جحا تنهق ، كان حمار رئيس القضاة يتزعم بقية الحمير
فيما يبدو ، وكان هذا الحمار جائعاً ، فبدأ ينهق .. وبوصفه زعيما للحمير .
قلدته
البقيه وراحت تنهق وراءه .. كان نهيقها منكراً .. وعالياً .. فاستيقظ تيمورلنك
فزعاً من نومه ، واستمع قليلاً لهذا الصوت الذى أزعجه فلم يعرف صوت من يكون ،
واستل سيفه وخرج يبحث عن مصدر الصوت .
وفوجئ
جحا أن تيمورلنك يقف أمامه غاضباً ثائراً وسيفه فى يده ..
وكان
جحا يموت من الخوف .. نظر إلى تيمورلنك ولم يعرف ماذا يقول ..
سأل
تيمورلنك بصوت كهزيم الرعد : ما هذا الشئ الذى أيقظنى من النوم ؟
قال جحا : هذه
حمير اختارتها حمير المملكة ..وقد جاءت تهتف لك وتعرب عن إعجابها بك ، وولائها لك
. وبسبب كونهم حمير لم يعرفوا أن جلالتك نائم ، ولهذا نهقوا وايقظوك .
هدأ
تيمورلنك وسأل جحا : من أنت ؟
قال جحا : أنا
جحا .. خوجه نصر الدين .. مقهور البرين والبحرين ، أحمق من فى البرين والبحرين ،
يواجه قاهر البرين والبحرين
سأل
تيمورلنك : ماذا تعمل .. وأى شئ تريد ؟
قال جحا : أنا
أشتغل عالماً .. أنا كل من بقى من العلماء في المملكة .. ولكنني عالم فى الحمق ..
ولست أعرف أى شئ أريد .. لم أكد أرى وجه جلالة السلطان حتى أغمى على عقلي .. تذكرت
.. أنت الذى يريدني لا أنا ..
قال
تيمورلنك : أنا أريدك ؟!
قال جحا : نعم
.. ألا تطلب علماء المملكة ؟
سأل تيمورلنك : آه ..
أنت إذن من علماء المملكة ؟
قال جحا : آخر
من بقى منهم .
قال
تيمورلنك : ما بال هذه الحمير ؟
رد جحا : هذه
آخر سلالة بقيت من علماء الحمير .. فإذا ذبحتني فاذبحهم معي لكى لا يركبهم بعدى
أحد .. ولا يتمتع بهم غيرى .
قال
تيمورلنك :يا جحا لما تظن بي أنى سوف أقتلك ؟
قال جحا : قلبي
يحدثني بأنك قاتلي ..
قال
تيمورلنك : يبدو أن قلبك على حق ولم يكذب عليك .. فى أى برج
ولدت يا جحا ؟
أدرك
جحا الان أن امتحانه قد بدأ ، وتصبب العرق الغزير على وجه جحا
وقال جحا
لتيمورلنك : ولدت في برج التيس .
سأل
تيمورلنك مندهشاً : برج التيس ؟ ماذا ؟؟ ليس هناك برج يحمل هذا
الاسم .. هناك برج الجدى .. هل تقصد برج الجدى ؟
قال جحا : نعم
ولدت فى برج الجدى ، ولكن هذا حدث منذ أربعين سنه ، ولا شك أن الجدى قد تحول فيهم
إلى تيس .. إن أربعين سنه ليست مسافه بسيطة .
فى هذه
اللحظة ، عادت الحمير إلى النهيق ، وراح صوتها المنكر العالى يتردد فى القصر ..
قال جحا
للحمير : اسكتوا عليكم اللعنة .. صحيح أنكم حمير .. لقد
هدأ السلطان فلماذا تهيجونه ؟
سأل
تيمورلنك : ماذا تقول للحمير يا جحا ؟
قال جحا : إننى
أشكرهم ..
سأل
تيمورلنك : لماذا تشكرهم ؟
قال جحا : على
تحيتهم للسلطان .. إنهم يقولون ” عاش السلطان ” ، فقلت لهم شكراً أيها الحمير .
سأل
تيمورلنك : ماذا قالت الحمير غير ذلك ؟ لقد نهقت أكثر من
مرة .
قال جحا : تقول
الحمير إن السلطان لو وضع سيفه فى غمده لكان هذا أدعى إلى الأمن والأمان ..
ضحك
السلطان وسأل جحا : هل تعرف لغة الحيوان ؟
قال جحا :
تخصصت فى لغة الحمير فقط .
قال
السلطان : كم لغة تعرف أيها العالم المضحك ؟
قال جحا : أعرف
ثلاث لغات .. لغة البشر ولغة الحمير ولغة الصمت .
قال
السلطان : متى تحب أن نعقد لك الامتحان ؟
سأل جحا
مندهشاً : ألم ينته السلطان من امتحانه بعد ؟
ضحك
السلطان وهو يقول : أتظن الامتحان سهلاً بهذه الدرجة ؟ نحن لم نبدأ
امتحانك بعد .. غداً بعد العصر تبدأ الأسئله .. انصرف الآن إلى غرفة الضيوف .
قال جحا : كم
ضيفاً زار الغرفة قبل إعدامه ؟
قال
السلطان : زارها الجميع يا جحا .
قال جحا : إنا
لله وإنا إليه راجعون ..
انصرف
جحا إلى غرفة الضيوف ، فقدموا إليه الطعام ، ولكنه اكتشف أن شهيته للطعام قد ضاعت
، وراح يفكر فى امتحان السلطان ويقول لنفسه : ضاع جحا أخيراً فى شربة ماء .. وشرب
قليلاً من الماء ونام مهموماً حزيناً ، فشاهد فى الحلم أن السلطان قرر قتله ،
فاستيقظ مفزوعاً ..
وظل
طيلة الليلة يقظاً يفكر فى الفخ الذى وضع نفسه فيه حين قبل أن يأخذ خمسه حمير مقابل
حياته ..
وجاء
اليوم الثانى فجلس جحا ينظر لطعام الافطار وهو لا يستطيع أن يلمسه أو يذوقه .
ثم
استدعاه السلطان فى الصباح ، ودهش لأن موعد امتحانه بعد العصر
وقال جحا
فى نفسه : إن السلطان قرر قتله قبل العصر ، وهذا أفضل من
عذاب الانتظار .
كان
السلطان منشرحاً هذا الصباح على غير عادته ، ولم يكد جحا يصل
حتى
قال له السلطان : كيف حالك يا جحا ؟
قال جحا : على
أسوأ حال تكون عليه حال جحا .
قال
السلطان : اسمع يا جحا .. هل أنا عادل أم ظالم ؟
أدرك جحا
أن الامتحان قد بدأ .. وقال للسلطان : انت لست عادلاً ولست ظالماً
يا مولاى السلطان .
قال
السلطان : كيف ؟
قال جحا : ألا
تسألنى لماذا أولاً ؟
قال
السلطان : لماذا ؟
قال جحا : لقد
قتلت الذين قالوا إنك عادل ، وقتلت الذين قالوا إنك ظالم ..
قال
السلطان : نعم ..
قال جحا : قد
أجبتك عن سؤالك “لماذا ” وبقى أن أجيبك على ” كيف ” انك لست عادلاً ولست ظالماً .
قال
السلطان : نعم ..
قال جحا : نحن
الظالمون .. وأنت سيف العدل الذى سلطه الله علينا بسبب ظلمنا .. وهكذا لا يقال إنك
ظالم ولا يقال إنك عادل .. أنت سيف فى يد القدر ، والسيف لا يوصف بالعدل ولا
بالظلم .
قال
السلطان : لقد أعجبتنى إجابتك على السؤال الأول .. استمع
الآن إلى السؤال الثانى .. ما هو الشئ الذى تستطيع أن تفعله أنت ولا أستطيع أن
أفعله أنا ؟
قال جحا :
النوم فى حظيرة للخنازير ..
ضحك
السلطان وقال إليك السؤال الثالث : من أنت ومن أنا ؟
قال جحا : أنتم
الكبار ونحن الصغار ..
قال
السلطان : هل تستطيع أن تخبرنى كم أساوى من المال ؟
قال جحا : لا
أظنك تساوى أقل من ألف دينار .
ضحك
تيمورلنك حتى استلقى على ظهره وقال : أيها الاحمق .. إن ملابسى
وحدها تساوى الف دينار ..
قال جحا : صدق
ظنى .. ما كنت أنظر فى تقدير ثمنك إل لهذه الملابس .
قال
تيمورلنك : أين تظن أن مقامى سيكون فى الآخرة ؟
قال جحا : مع
الملوك الذين خلدوا أسماءهم فى التاريخ ..
سأل تيمورلنك : مثل من
من الملوك يا جحا ؟
قال جحا : مثل
فرعون موسى .. والملك الذى عاش فى عصر ابراهيم .
قال تيمورلنك : هل
تعلم يا جحا أن خلفاء بنى العباس كان لكل منهم لقب اختص به ؟ فمنهم ” الموفق بالله
” .. ومنهم ” المتوكل على الله ” .. ومنهم ” المعتصم بالله ” ..
لو كنت
أنا واحداً منهم فماذا كان يجب أن أختار من هذه الألقاب ؟
قال جحا : دعك
من هذه الألقاب فهى قديمه .. لا شك أنك كنت تدعى بلقب ” العياذ بالله “
وقف
السلطان وهو يضحك وقال : أنت تشتم يا جحا .. ستقطع رقبتك بسبب هذه الكلمة .
قال جحا : إن السلطان
يذكرنى بحكايه الأسد والفأر ..
قال
السلطان : ما هى حكاية الأسد والفأر ؟
قال جحا : يحكى
أنه فى قديم الزمان وسالف العصر والأوان عاش أسد عظيم فى غابة وعاش معه فأر ..وكان
الفأر يحسد الأسد على عظمته وهيبته ، فذهب إليه الفأر يوماً وشتم الأسد وتحداه
وقال له : تعال قاتلنى إذا كنت أسداً بحق .
قال
السلطان : ماذا فعل الأسد ؟
قال جحا : ضحك
طويلاً ورفض أن يقاتل الفأر ..
قال
السلطان : لماذا رفض الأسد أن يقاتل الفأر ؟
قال جحا : كان
الأسد حكيماً ، وقال لنفسه .. لو حاربت الفأر هبطت بمستواى ، ولو قتلته فلا شرف فى
قتله ، وظل الأسد يضحك من شتائم الفأر حتى وقع الفأر ميتاً من الغيظ ..
ضحك
السلطان طويلا وقال لجحا :انتهى امتحانك الشفوى وبقى الامتحان التحريرى ..
ثم زعق تيمورلنك على حرسه أن يحضروا السهام والرماح ..
أيقن
جحا أن نهايته قد دنت ..
أحضر
الجند السهام والرماح وأوقفوا جحا أمام حائط .. وأمروه أن يرفع ذراعيه إلى جواره
.. ووقف جحا كما لو كان مصلوباً وبدأ الامتحان .
أمسك
تيمورلنك بالسهام ووضع سهمه فى القوس وصوب نحو عمامة جحا وأطلق السهم .. اخترق
السهم عمامة جحا وثبتها فى الحائط
ضحك جحا
حين أصاب السهم عمامته وقال لنفسه : الحمد لله انه لم يدخل فى رأسى .
عاد
تيمورلنك يصوب سهماً ثانياً إلى ذراع جحا ، وكان تصويبه من الدقه بحيث اخترق السهم
ملابس جحا ، ولم يصب جحا بسوء ..
وعاد
جحا يضحك لأن السهم لم يخترق ذراعه ..
وصوب
تيمورلنك على كم قميصه الثانى وثبته فى الحائط .. وضحك جحا سعيداً لأنه نجا .. بعد
ذلك بدأ تيمورلنك يصوب الحراب نحو جحا ، وكان تصويبه من الدقة بحيث أن جحا لم يصب
فى جسده ، ولكن ملابسه كلها أصبحت مثبته فى الحائط من السهام والحراب ..
ظل
جحا يضحك ، فسأله السلطان : لماذا تضحك ؟
قال جحا : إن
السلطان معجب بى ، والدليل أنه يعلقنى على الحائط مثل صورة أعجبته ..
قال
السلطان : لقد نجح جحا فى امتحانه التحريرى واثبت أنه شجاع
. كان يضحك فى وجه السهام .. إننى آمر أن يعطى جحا جبة وقفطاناً وعمامة بدل ما
خرقته السهام
قال جحا : أرجو
أن يأمر السلطان بصرف ملابس داخلية وسراويل ..
قال
السلطان : لكن سراويلك لم تصب بضرر !!
قال جحا : هذا
صحيح .. ولكنها ابتلت وأخشى ا يصيبنى البرد ..
ضحك
السلطان وامر لجحا بما أراده وقرر أن يبقيه معه ليكون نديماً يتحدث معه وسميراً
يسهر الليالى وهو يحدثه .. وأخبر السلطان جحا بما انتواه ..
قال جحا : جاءك
الموت يا تارك الصلاة ..
قال
السلطان : لماذا تقول ذلك يا جحا .. ؟
قال جحا : لأنى
أخاف أن يغضب على السلطان يوماً فيقتلنى ؟
قال
السلطان : لا تخف .. إننى أعطيك الأمان ..
قال جحا : الآن
اطمأننت .. وفى مقابل ذلك سأطلع السلطان على شئ مدهش ..
سأقوم
بتعليم واحد من حميرى الخمسة كيف يقرأ .. ولن يستغرق هذا غير عشرة أيام .
المصدر :
الكاتب احمد بهجت
تم اضافة الموضوع بواسطة : Beso Mustafa
التحميل بصيغة ملف Word
التحميل بصيغة ملف PDF
تقييم الموضوع
شارك الموضوع