إنجازات الصحابي عقبة بن نافع "الفاتح المستجاب"

المقدمة

من هو الصحابي عقبة بن نافع؟

أهم إنجازات عقبة بن نافع

متى تأسست القيروان بالهجري؟

كيف مات عقبة بن نافع؟

المصدر

المقدمة

في رحاب التاريخ الإسلامي، تلمع نجمة الصحابي عقبة بن نافع الفهري "الفاتح المستجاب"، قائداً فذاً سلك طريق الفتح المبارك.

انطلق هذا القائد الجليل، بدعوة صادقة وإيمان راسخ، يحمل لواء التوحيد، داعياً الأمم إلى نور الإسلام وحكمة شريعته.

لقد كان مسيره، الذي رسمه القرآن الكريم وحفزه النبي صلى الله عليه وسلم، سعيًا دؤوبًا لإعلاء كلمة الله في الأرض، وترجمة عملية لآيات الجهاد في سبيل الله، آثرًا بذلك الحياة الدنيا بالآخرة ومتوكلًا على ربه في النصر والفتح.

لنلقي نظرة في هذا الدليل على تاريخ الصحابي عقبة بن نافع، وأهم إنجازاته، واستشهاده.

من هو الصحابي عقبة بن نافع؟

نشأ عقبة بن نافع، الذي ينتمي إلى أعرق بيوت قريش، في كنف الإسلام، فوالداه من أوائل الذين أسلموا وقد حظي بتربية إسلامية أصيلة.

تربى عقبة في ظل بيئة إيمانية قوية وكان قريباً من عمرو بن العاص، ذلك القائد الفذ، حيث يجمعهما نسب مشترك.

فقد كان عقبة بحسب الروايات، إما أخاً لعمرو بن العاص لأمه، أو ابن خالته، أو ابن أخت له، ومهما اختلفت الروايات فإنها تتفق على أن بينهما صلة قرابة وثيقة، مما يدل على شرفه ونشأته في أسرة عريقة بالإسلام.

كان الصحابة رضوان الله عليهم قدوة حسنة للأمة الإسلامية في جميع العصور والأزمان، فعاشوا حياة التقوى والورع وساروا على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحلوا بأخلاق كريمة وصفات حميدة.

إنهم بذلك، قدموا لنا نموذجاً يحتذى به في العبادة والعمل الصالح، وفي التضحية والفداء من أجل الدين.

شهد الصحابي عقبة بن نافع، جنباً إلى جنب مع القائد الفذ عمرو بن العاص فتوحات مصر، ثم شارك في المعارك الشرسة التي دارت رحاها في أرض إفريقيا.

وكُلف بقيادة برقة بعد فتحها، فقاد جيوش المسلمين في مغامرة فتح جديدة باتجاه الغرب.

وفي هذه المعارك، برزت قدراته القيادية الاستثنائية وحنكته العسكرية وشجاعته الفذة، مما جعله شخصية بارزة في تاريخ الفتوحات الإسلامية.

وخلف عقبة سلالة عريقة من القادة، منهم يوسف بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن حبيب، اللذان ورثا عن جده شجاعته ودهائه وواصلوا مسيرة الفتوحات الإسلامية.

أهم إنجازات عقبة بن نافع

لم يقتصر دور عقبة بن نافع على الفتوحات العسكرية، بل امتد ليشمل بناء الحضارة الإسلامية في المغرب.

فبالإضافة إلى الفتوحات، اهتم ببناء المساجد، مثل: مسجد درعة ومسجد ماسة ونشر تعاليم الإسلام بين البربر فأسلمت على يديه قبائل كثيرة كصنهاجة، وهسكورة، وجزولة، كما أخضع مصامدة وحملهم على طاعة الله.

ولم يكتف ببناء المساجد، بل اهتم بتعليم القرآن الكريم وشرائع الإسلام فترك من بعده علماء وأئمة دينيون، كشاكر الذي بنى رباطاً ما بين مراكش وموجادور، ولا يزال معروفاً إلى اليوم بسيدي شاكر. واتبع الصحابي عقبة بن نافع سياسة حكيمة في التعامل مع القبائل، فولي عليها رجلاً من كل قبيلة، كأبي مدرك زرعة الذي أصبح فيما بعد من فتحاء الأندلس.

وحين أمر عقبة بن نافع ببناء القيروان في هذه الغابات الكثيفة التي تعج بالوحوش، تردد أصحابه خوفًا.

لكن، عقبة بثقة تامة في الله ورسوله، جمع الصحابة ودعا الله تعالى أن يبعد عنهم الأذى.

فحدث أمر عجيب، خرجت السبع والذئاب والحشرات من المكان وكأنها تستجيب لدعوته.

هذا المشهد العظيم أذهل الجميع، وشجع البربر على اعتناق الإسلام إيمانًا بأن هؤلاء القوم هم حقًا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكما روى الإمام الواقدي صاحب أشهر كتاب في المغازي "أن القيروان كانت قبل أن يبنيها عقبة غابة كثيفة مليئة بالوحوش السامة.

وعندما أمر ببنائها، دعا الله تعالى أن يبعد عنه وعن أصحابه الأذى، فاستجاب الله لدعوته وخرجت الحيوانات من المكان وكأنها تستجيب لأمره".

وهذه الحادثة العجيبة، التي رواها يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، تدل على قوة إيمان الصحابي عقبة بن نافع وتأثير دعائه.

وفي رحلته الشاقة، ضاقت الأرض بعقبة بن نافع وأصحابه عطشاً فاستجاب الله لدعوته وجعل فرسه ينبش الأرض حتى ظهر عذب الماء، هذه المعجزة العظيمة التي شهدها الصحابة، زادت إيمانهم وقربتهم من الله، وجعلت عقبة يُلقب بـ "عقبة المستجاب".

متى تأسست القيروان بالهجري؟

وفي العام الخمسين للهجرة، فتح الصحابي عقبة بن نافع، الذي خالط أهل إفريقيا وعرف أسرارهم، صفحة جديدة في تاريخ القارة.

وتُعد مدينة القيروان، التي أسسها عقبة بن نافع، إحدى أبرز المعالم الحضارية للإسلام في المغرب.

وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الكاروان (الجميل أو اللطيف) في اللغة الفارسية.

واستغرق بناء هذه المدينة الخمس سنوات، والتي امتدت على مساحة واسعة لتكون قاعدة انطلاق الفتوحات الإسلامية في المغرب.

وأصبحت القيروان مركزاً حضارياً ودينياً، اجتذب إليه الأفارقة والبربر والسودان، فاعتنقوا الإسلام واندمجوا في المجتمع الإسلامي الجديد.

وبذلك، رسخت القيروان أركان الإسلام في المغرب وباتت شاهداً على عظمة الحضارة الإسلامية.

كيف مات عقبة بن نافع؟

كان الصحابي عقبة بن نافع، ذلك الفارس الشجاع والمؤمن الصادق، يشعر بقرب أجله في سبيل الله.

فقبل أن يغادر القيروان متوجهاً إلى ميدان الجهاد ودع أولاده، مستقبلاً الشهادة بصدر رحب.

وكان قدر الله له أن يستشهد في معركة طاحنة مع الروم والبربر، حيث نصبت له كمين محكم.

فاستشهد هو وأصحابه، مخلداً ذكراه في صفحات التاريخ كأحد أبرز شهداء الإسلام وكان في هذه الشهادة تجسيداً حياً للإيمان القوي والعزيمة الصادقة.

وكان لعقبة بن نافع عادة ثابتة في معاركه، فهو يضع نفسه في مقدمة الصفوف عند الذهاب، وفي مؤخرة الصفوف عند العودة، وكأنه درع يحمي جنوده.

وفي غزوة تهودة، دفعته هذه الشجاعة الفائقة إلى التضحية بنفسه من أجل حماية جيشه.

فبعد رحلة طويلة من المغرب الأقصى، أرسل معظم جيشه قبل أن يصل إلى القيروان، وقرر هو أن يسير في المؤخرة مع مجموعة صغيرة من الصحابة والتابعين.

وكان هذا القرار هو الذي كلفه حياته، حيث وقع في كمين محكم أعده له الأعداء.

وأدرك الروم أن عقبة بن نافع يشكل عقبة أمام طموحاتهم في المنطقة، فقرروا التخلص منه.

وتآمروا مع كسيلة حاكم إفريقية لشن هجوم مفاجئ على عقبة وقلة من أصحابه، ولم يكن أمام عقبة خيار سوى القتال حتى النهاية رغم علمه بأن المعركة غير متكافئة.

وبالفعل دارت معركة عنيفة انتهت باستشهاد عقبة وأصحابه، وأصبحت موقعة تهودة رمزاً للتضحية والفداء، وباتت قبور الشهداء مزاراً للمسلمين من كل حدب وصوب.

وبعد جهاد طويل دام أربعين عاماً، قضى الصحابي عقبة بن نافع عمره في سبيل الله؛ فداءً لدينه ووطنه.

إلا أن استشهاده كان خسارة فادحة للإسلام والمسلمين، فقد أضعف موقفه في إفريقيا وفتح الباب أمام الأعداء للاستيلاء على القيروان.

وبذلك، تأخرت عجلة الفتوحات الإسلامية وتعرضت الدعوة الإسلامية لانتكاسة مؤقتة.

المصدر

إسلام أون لاين